الأقصى أمام أعتى موجات العدوان في 2022

زياد ابحيص

لا شك أن الشهور التي مرت من عام 2022 كانت ثقيلة على المسجد الأقصى المبارك، بل ربما الأثقل في تاريخه منذ الاحتلال. لم تمر محطة عدوان واحدة لم يُفرض فيها شكل جديد من الطقوس التوراتية في الأقصى، وكان يوم 29-5-2022 بمثابة استعراض للطقوس التوراتية الجماعية في الأقصى حين أدى عشرات المتطرفين الصهاينة “السجود الملحمي” على ثرى المسجد الأقصى المبارك. هل يمكن أن نقول إذن بأن الأسوأ قد مر وبات وراء ظهورنا؟ الواقع أن الصورة مغايرة تماماً؛ فالأسوأ الذي يمكن أن يشهده عام 2022 في الغالب لم يأتِ بعد.

على مدى سنوات العدوان المتصاعد على الأقصى منذ القرن العشرين، كان موسم الأعياد المتتالية من رأس السنة العبرية مروراً بـ “عبد الغفران” ووصولاً إلى “عيد العُرُش” التوراتي أعتى مواسم العدوان على الأقصى، ومحطة انفجار أغلب المواجهات لأجله، فمجزرة الأقصى إبان الانتفاضة الأولى جاءت في 8-10-1990 متزامنة مع محاولة جماعة “أمناء جبل الهيكل” وضع حجر الأساس للهيكل المزعوم في “عيد العرش” التوراتي، وهبة النفق جاءت في 26-9-1996 رداً على افتتاح الحكومة الصهيونية النفق الغربي تحت الأقصى في “عيد الغفران” العبري، وانتفاضة الأقصى في 28-9-2000 جاءت عقب اقتحام أريئيل شارون للمسجد الأقصى المبارك عشية رأس السنة العبرية، أما هبة السكاكين في 3-10-2015 فقد انطلقت بالتزامن مع “عيد العُرُش” التوراتي، بعد أن حاول الاحتلال فرض التقسيم الزماني التام وإغلاق الأقصى في وجه المسلمين تماماً في أعياد اليهود في رأس السنة العبرية والغفران، ونكَّل بالمرابطين والمرابطات على أبوابه، فجاء الرد بانطلاق موجة عمليات الدافع الفردي بدءاً من فاتح عهدها الشهيد مهند الحلبي في 3-10-2015.

منذ أن بدأت السياسة المنهجية للإحلال الديني في الأقصى باقتحام شارون عام 2000 وبفتح باب الاقتحامات الصهيونية في 2003، كان واضحاً أن موسم الأعياد هذا المكون من 12 يوم عيد موزعة على 20 يوماً ما بين شهري أيلول-سبتمبر وتشرين الأول-أكتوبر من كل عام لطالما كان موسم الحصاد، الذي يجري فيه تثبيت ما جرى فرضه من عدوان على مدار الأعياد السابقة، ليتحول هذا السقف بدوره أرضية انطلاق لمواسم العدوان في العام التالي، إذ تنقطع الأعياد اليهودية بعده نسبياً حتى شهر آذار-مارس من العام التالي.

بناء على هذه المقدمات، وبمتابعة الاستعدادات الفعلية لجماعات الهيكل المتطرفة، فإن موسم الأعياد هذا يجري التحضير له ليكون ذروة موجة العدوان العاتي على الأقصى في 2022، وإذا ما وضعنا في الاعتبار الانتخابات الصهيونية في 1-11-2022، فإن هذا العدوان سيستعِر أكثر بسباق المزاودات الانتخابية بين اليمين المتطرف وشقيقه الأكثر تطرفاً؛ وإذا ما أدركنا أن فرض الطقوس التوراتية في الأقصى كان الأجندة المركزية للحكومة واليمين الصهيوني في الأقصى على مدار ثلاث سنوات خلَت، فإن استعراض هذه الطقوس والتعامل مع الأقصى باعتباره “هيكلاً قائماً” سيكون في قلب هذا العدوان المرتقب.

*أما محطات العدوان وما يتوقع في كل منها فهي على الشكل التالي:*

*الإثنين والثلاثاء 26 و 27-9-2022: رأس السنة العبرية:* وتسعى جماعات الهيكل فيها إلى نفخ البوق عدة مرات في المسجد الأقصى المبارك، وقد فعلت ذلك العام الماضي بعيداً عن الكاميرات. تبدأ بهذا العيد “أيام التوبة” التي يحرص الصهاينة فيها على اقتحام الأقصى بأعداد كبيرة وبـ”لباس التوبة” الأبيض الذي هو في الوقت عينه لباس طبقة الكهنة، والقصد من حضوره الكثيف في الأقصى تكريس حضور “إمامة يهودية” للمسجد تقود الطقوس التوراتية بموازاة الأئمة المسلمين.

*الأربعاء 5-10-2022: “عيد الغران” العبري:* وهو أعظم أعياد السنة عند اليهود، ويشمل العدوان فيه محاكاة طقوس “قربان الغفران” في الأقصى، وهو ما تم بالفعل دون أدوات في العام الماضي، كما يحرصون على النفخ في البوق والرقص في كنيسهم المغتصب في المدرسة التنكزية في الرواق الغربي للأقصى بعد أذان المغرب مباشرة. *ولكون هذا العيد يومَ تعطيل شامل لمرافق الحياة، فإن الاقتحام الأكبر احتفالاً به سيأتي الخميس 6-10-2022.*

*من الإثنين 10-10 وحتى الإثنين 17-10-2022: “عيد العُرُش” التوراتي:* ويحرص المقتحمون الصهاينة خلاله على إدخال القرابين النباتية إلى الأقصى، وهي أغصان الصفصاف وسعف النخيل وثمار الحمضيات، لتقدم “قرباناً إلى روح الرب” باعتبارها “تحل في الهيكل” وفق الاعتقاد الحلولي المزعوم الذي تقوم عليه العبادة القربانية، وكل هذه الخطوات للقول إن الأقصى هو ذاك الهيكل المزعوم الذي تحل فيه روح الرب. إلى جانب ذلك، تُجري جماعات الهيكل سباق أعداد سنوي للوصول إلى رقم قياسي للمقتحمين على مدى أيام العُرش الثمانية، وتستعرض مع نهايتها “شكرها” لشرطة الاحتلال، وهذا الشكر يتحول في كل عام إلى استعراض لهيمنة شرطة الاحتلال على الأقصى باعتبارها هي سلطة إدارته، وتهميشاً لحضور الإدارة الإسلامية متمثلة بالأوقاف الأردنية.

*أربعة أسابيع تفصلنا عن انطلاق موجة العدوان الأعتى على الأقصى، وإذا كانت الشهور الماضية قد شهدت عدواناً مهيناً ومستفزاً، فإن الطريق إلى منع تكرار ذلك مفتوح اليوم بالتعبئة والاستعداد ووضع الأقصى في قلب الأولوية الشعبية، ولنتذكر دوماً أن الإرادة الشعبية لطالما كانت سياج الأقصى الحامي وسلاح المعركة الذي لا يغيب وإن تأخر، وأنها مبتدأ الفعل وبوابة الانتصارات حتى تلك التي تحققها المقاومة المسلحة، والواجب اليوم أن يكون استنهاض هذه الإرادة وتمهيد ظروف استحضارها واستدامتها الأولوية الأولى التي تنصب لأجلها الجهود والإمكانات، إن كان الأقصى مقدساً بحق في القلوب.*

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".