إحذر أن تكون منهم

يقول الحكيم سبحانه:

{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ} (البقرة 85)

هناك فرق بين أن يضعف العبد فيُقصّر في تنفيذ أمر الله تعالى وبين أن يُعارض أمر الله تعالى بقلبه!
أو يبغضه أو يتمنى لو لم يكن هكذا أو يحاول تفسيره بتفسيرات بعيدة عن الحق. فالذي يؤمن بأشياء من الدين ويحبها، ويرتاح لها، وينصح الناس بها، ويدافع عنها…

ثم إذا جاءه أمر، أو حكم، أو اعتقاد.. وكان مخالفا لفهمه أو مشاعره أو ما اعتاد عليه أو خبرته أو ما ورثه عن المستقيمين من حوله… فكرهه، أو ردّه، أو قال: أكيد معناه ليس هكذا.. وحاول تأويله بمعاني تخالف الحق.

فهذا أبعد ما يكون عن وصف الإيمان.. إنما هذا من وصف ((المغضوب عليهم) من اهل الكتاب (وإن سُمّيَ مستقيما، وإن سُمّيَ داعيا إلى الله){ أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض}

هل أنزل الله تعالى الدين لكي يُحوّل حياتك في الدنيا إلى جنة !؟
هل وعدك الله تعالى بأن يعطيك كل النعم التي تتمناها في الدنيا.. ثم أخلف وعده سبحانه؟ حاشاه ربي. الله تعالى خلقنا في “اختبار” { ليبلوكم أيكم أحسن عملا} وعلمنا بالضبط ما المطلوب منا للنجاح في هذا الاختبار. وأنزل لنا كتابا محكما واضحا بينا فيه الرحمة والشفاء والبشرى والنور …
وأرسل معه رسولا كريما طيبا مباركا محمودا ليكون نموذجا واضحا لتطبيق هذا الكتاب. ولم يخلقنا سبحانه في هذا الاختبار.. وتركنا نعاني القسوة والضيق. بل إن كل واحد فينا يغرق في نعم الله!
يغرق في بحور إحسانه علينا، بشتى أنواع الإحسان. في أجسادنا، وعقولنا، وصحتنا، وأهلينا، والأوقات التي فرغها لنا، والطعام الشراب الذي لا ينقطع عنا، والأمن والأمان، والاهل والأحباب، وكل نعمة من هذه لو حاولنا التركيز على تفاصيلها.. ستتوقف عقولنا قبل أن نحصيها. ولا يكفر بهذه النعم التي تحيط بنا من كل جانب إلا الكفور. وبعد كل هذا النعيم الذي أعطانا إياه.. والذي نحن مطالبون بشكره عليه سبحانه بقلوبنا وألسنتنا وجوارحنا. أمرنا بأوامر بسيطة قليلة. ونهانا عن أشياء طفيفة مقارنة مع ما أباحه لنا. فقط ليختبر صدقنا، فقط ليختبر إيماننا به.. إيماننا بأنه فعلا هناك إله لهذا الكون، وأنه كامل الصفات، وحسن الأفعال، وأنه يستحق منا أن نفني حياتنا لإرضائه، ونسأله وحده أن يعاملنا بحلمه وعفوه على شدة تقصيرنا في حقه.

يختبر إيماننا بالدار الدائمة التي سنستقر بها عنده.. فنضحي ببعض شهواتنا في الدنيا من أجلها. ولا زلنا نضعف، ولا زلنا نسقط، ونرجع ونتوب ونتذلل إليه لكي يغفر لنا ويرحمنا…وهذا هو حال المؤمن. أما من يأتيه أمر الله ونهيه، فيرُدّه. أو يرفضه أو يؤوله. (لماذا يفعل ذلك!؟)

حتى يفعل ما يهواه.. وفي نفس الوقت يحتفظ بماء وجهه أنه لا يفعل شيئا سيئا.. إنما هو يفعل الصواب. فهذا هو حال المنافقين!
يريدون أن يعيشوا على هواهم في الدنيا ويُحسبوا عند الناس من المؤمنين المتقين. حتى يأتي يوم القيامة ويسيرون مع المؤمنين.. كما كانوا يسيرون معهم بأجسادهم في الدنيا.

فيُضرب فجأة بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة
وظاهره من قبله العذاب فينادي المنافقون المؤمنين { ألم نكن معكم ! } يظنون أنهم يستطيعون أن يخدعوا الله في الآخرة كما خدعوا المؤمنين في الدنيا! فلنحذر يا إخوتي.. فإن بذور النفاق ليست بعيدة عن أي واحد فيها فلنحذر أن يأتينا أمر من الله، أمر من دينه، أمر من شريعته…

فنرُدّه ! ونجادل فيه ! ونحاول تغيير معناه. فقط لنحقق هوانا ونظل محسوبين على المؤمنين لكن إذا ضعفنا وسقطنا في الذنب ( وهذا يحصل معنا باستمرار ). فلنعترف، ولنخف، ولنتب، ولنخبر الناس بالحق الذي جاء من عند الله.. وإن كنا غير قادرين على تطبيقه. ولنستغث بالله تعالى أن يعيننا على طاعته، ويغفر لنا تقصيرنا فيها.
وأن يعاملنا يوم نلقاه بمزيد فضله وإحسانه وأن يعتق رقابنا من النار ويدخلنا الجنة برحمته.
اللهم آمين

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *