أوبئة نفسية في الأساس.. كيف تغذي جائحة كورونا الكراهية بأميركا؟

كلما تقرأ أكثر عن الأوبئة، تدرك أنها ظاهرة نفسية في الأساس؛ إذ لم تكن تتعلق بالمصابين بالفيروسات والأمراض فحسب، بل تشكلت عبر سلوك الناس والطرق التي تصرفوا بها.

وفي كتابه “علم نفس الأوبئة”، يرى الأكاديمي الأسترالي المختص في الطب النفسي ستيفن تايلور أن مواسم الأوبئة ترتبط بالعنصرية وإلقاء اللوم على مجموعات معينة من الناس، ويعود ذلك جزئيا “إلى أن البشر قبليون في طبيعتهم”.

وفي المقابل، يتم التحكم في الأوبئة والحد من انتشارها عندما يوافق الناس على القيام بأشياء معينة، مثل قواعد النظافة ومكافحة العدوى والامتثال للمسافة الاجتماعية؛ أما إذا رفض الناس -لأسباب نفسية مختلفة- القيام بهذه الأشياء، فإن الوباء سيستمر في الانتشار.

وفي حالات تفشي الأوبئة التاريخية، كانت هناك عنصرية، وشعور بالذعر والقلق الشديد، واندفاع إلى المستشفيات، وأصبح الناس محبطين من العزلة الذاتية وأشكال أخرى من الابتعاد الاجتماعي، ومن الواضح أن علم النفس مهم للغاية في فهم كيفية تعامل الناس مع تهديد العدوى الوبائية، وبالفعل نلاحظ كل هذه الأشياء في جائحة كورونا الحالية.

وإذا كان الحب هو المرض الموازي لوباء الكوليرا في رواية الأديب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز الشهيرة، فإن الكراهية التي يمارسها الأميركيون البيض العنصريون هي المرض النفسي الموازي لجائحة كورونا.

كتاب “علم نفس الأوبئة” للأكاديمي الأسترالي ستيفن تايلور (الجزيرة)
كتاب “علم نفس الأوبئة” للأكاديمي الأسترالي ستيفن تايلور (الجزيرة)
تفشي الكراهية
وفي تقريره الذي نشره موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، قال أستاذ سياسة العرب الحديثة وتاريخ الأفكار في جامعة كولومبيا جوزيف مسعد إن الأميركيين العنصريين -سواء كانوا ليبراليين أو محافظين- يكرهون الأميركيين البيض وغير البيض، إلى جانب غير الأميركيين مهما كان لون بشرتهم. تماما مثلما كرهوا الأميركيين الأصليين عندما غزو بلادهم وقتلوهم وسرقوا أراضيهم، والأميركيين الأفارقة عندما استعبدوهم، والمهاجرين غير البيض والألمان خلال الحرب العالمية الأولى، إلى جانب الأميركيين اليابانيين خلال الحرب العالمية الثانية.

ويضيف التقرير أنه منذ ذلك الوقت، تجلت الكراهية العنصرية التي يمارسها الأميركيون البيض ضد جميع ضحايا الإمبريالية الأميركية؛ بدءا من الهند الصينية وأميركا اللاتينية، وصولا إلى العرب، ثم المسلمين، لتشمل منافسي القوة الأميركية من الروس والصينيين بشكل رئيسي في وقت لاحق.

ومنذ بداية تفشي جائحة فيروس كورونا في مدينة ووهان الصينية، ورد أن التغريدات العنصرية المعادية للصين زادت بنسبة 900%.

في ظل حملة ترامب العنصرية ضد فيروس كوفيد-19، حذّر مكتب التحقيقات الفدرالي من زيادة جرائم الكراهية ضد الأميركيين الآسيويين، مبلّغا عن “تعرّض ثلاثة أفراد من عائلة أميركية آسيوية -من بينهم طفل يبلغ عامين وآخر ست سنوات- للطعن، وأكّد المتهم أنه طعن الأسرة لأنه اعتقد أنها صينية الأصل، وتنقل عدوى فيروس كورونا للناس”.

وإلى جانب “الفيروس الصيني”، يعرف فيروس كورونا بأسماء أخرى داخل أروقة البيت الأبيض؛ منها “إنفلونزا الكونغ”. كما ألقى بعض السياسيين والمعلقين العنصريين الأميركيين اللوم على العادات الغذائية الصينية كمصدر لانتقال الفيروس.

لكن لا يأخذ هذا النوع من العنصرية بعين الاعتبار إذا كانت العادات الغذائية الغربية للبيض تسهم في انتشار أمراض مثل جنون البقر في إنجلترا، والإشريكية القولونية في الولايات المتحدة.

في هذا السياق، تساءل الصحفي الأميركي الأفريقي إيلي ميستال عما إذا كان هؤلاء الأميركيون البيض العنصريون -بمن فيهم السيناتور المتعصب جون كورنين، الذي يلقي اللوم على العادات الغذائية في انتشار الفيروس- سيعارضون فكرة الإشارة إلى مرض الإشريكية القولونية باسم “وباء فضلات رعاة البقر الأميركي”.

“الكراهية الليبرالية”
وأشار الكاتب إلى أنه في حال انتقد الديمقراطيون الأميركيون الليبراليون وبعض وسائل الإعلام الأميركية الليبرالية عنصريةَ ترامب المعادية للصين، فإنهم يسهمون بدورهم في إثارة المزيد من الكراهية الليبرالية تجاه الصين وبلدان أخرى مثل كوبا وروسيا وإيران وفنزويلا. وهذا الأمر يذكرنا بالثقافة السياسية والفكرية التي شاعت خلال ذروة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي.

وفي حين أن الكثير من دول العالم تشيد بنجاح الصين في احتواء الفيروس، وسخائها في مساعدة الدول الأخرى التي تعاني من الوباء؛ تنشر وسائل الإعلام الأميركية الليبرالية مقالات حول الشرور التي تقف وراء الدوافع الصينية في تقديم المساعدات للدول، هذا إلى جانب محاولة التشكيك في نجاح الصين في مكافحة الفيروس القاتل، حسب تعبير الكاتب.

ويتابع مسعد أن وزارة الخارجية الأميركية تنشغل بتشويه سمعة الأطباء الكوبيين الذين تم إرسالهم إلى جميع أنحاء العالم لمساعدة البلدان المنكوبة، مثل إيطاليا. كما لا تزال روسيا هدفا للدعاية الأميركية. أما ترامب، الذي لم يتلق من الليبراليين أي ثناء على جهوده، فليس لديه خيار سوى الثناء على نفسه وأدائه خلال فترة الجائحة.

الدول الزائفة
ويقول الكاتب إن الجائحة كشفت عن أن الولايات المتحدة وحلفاءها النيوليبراليين في الاتحاد الأوروبي “مجرد دول زائفة غير قادرة على إنقاذ سكانها من المرض فحسب، بل تسهم أيضا في تنامي الوفيات والمعاناة جراء السياسات الاقتصادية النيوليبرالية التي تتبعها”، محملا دفاع المفكرين الليبراليين منذ عقود عن الرؤساء النيوليبراليين وسياساتهم المسؤولية عن تدمير دولة الرفاهية الأميركية وقطاعها الصحي.

في الوقت نفسه، وجدت السياسة الإمبريالية الأميركية فرصة أخرى في جائحة فيروس كورونا للتعبير عن كرهها العدواني، وتكثيف جهودها لتدمير أعدائها في إيران والعراق وفنزويلا ونيكاراغوا، وكل ذلك بالتعاون مع وسائل الإعلام الليبرالية، حسب مسعد.

قبل الجائحة وبعدها
في خضم تفشي الجائحة، أصدرت الولايات المتحدة لائحة اتهام ضد الرئيس الفنزويلي المنتخب نيكولاس مادورو ومساعديه، من خلال توجيه تهم ملفقة له تتعلق بإرهاب المخدرات، وعرضت مكافأة للقبض عليهم، كما خصص الكونغرس -الذي تسيطر عليه أغلبية من الديمقراطيين البيض- بعض وقته لتمرير مشروع قانون يسعى للإطاحة بحكومة نيكاراغوا المنتخبة ديمقراطيا، حسب تعبير الأكاديمي بجامعة كولومبيا الأميركية.

وأكد الكاتب أن كراهية إسرائيل للفلسطينيين تتواصل حتى في ظل تفشي فيروس كورونا المستجد، الذي يهدد المناطق المتعاونة التي تديرها السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة المحاصرة من قبل إسرائيل.

وأضاف أن هناك حقيقة واضحة تتمثل في أن الكراهية العنصرية الأميركية البيضاء والعدوان الإمبريالي، ناهيك عن العنصرية الأوروبية والكراهية الاستعمارية، والعنصرية الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين؛ كانت قائمة قبل تفشي الجائحة وستستمر في الوقت الحالي وفي المستقبل.

وفي الختام، أوضح الكاتب أن مشاعر الكراهية الرائجة في زمن الكورونا كانت موجودة في أزمان أخرى، ولا تعد الجائحة الحالية سوى مناسبة أخرى لانتشار العنف الإمبريالي والكراهية، حسب تعبيره.

شاهد أيضاً

قتيل إسرائيلي في كريات شمونة بعد قصفها بعشرات الصواريخ من لبنان

قال حزب الله اللبناني إنه أطلق عشرات الصواريخ على مستوطنة كريات شمونة، ردا على غارات إسرائيلية على مركز إسعاف أدت إلى مقتل 7 متطوعين، بينما أعلنت الطوارئ الإسرائيلية مقتل شخص جراء القصف على كريات شمونة.