أليست نفسا..

بقلم الشيخ سفيان أبوزيد

قالها النبي صلى الله عليه وسلم عن جنازة يهودي مرت به..

يدخل في هذا الاستفهام الاستنكاري كل نفس قضت وقبضت وهي بريئة.. سواء كان مسلما او نصرانيا او يهوديا أو بوذيا او سنيا أو شيعيا أو علمانيا او حنكفوشيا، أو خنكوشيا.. بل يدخل فيه كل نفس وكل حي، لأن الحياة حق مكفول من خالقها، ولا يسلبها إلا هو سبحانه، ومن تجرأ على ذلك أو أقر بعضه أو تحكم في ذلك، فقد تجرأ على الله في ربوبيته…

ولم أستسغ تأويل بعض الشراح او الرواة لهذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قام تعظيما للملائكة، وهذا قد يكون مقصودا ولكن ليس قصدا أوليا، أو كراهة ان تطوله جنازة اليهودي أو كراهة ريح اليهودي، رغم أن التعليل هنا واضح جلي لا يحتاج إلى تأويل وهو قوله صلى الله عليه وسلم بصيغة استفهامية استنكارية واضحة (أليست نفسا) وهو إخبار وإن جاء في صيغة الإنشاء للدلالة على وضوح إخباريته، والأخبار لا تنسخ…فهو إخبار بنى عليه أمرا لتعظيم تلك النفس والاعتبار بحالها ومآلها..

وتلك التأويلات مبنية على مغالطات، تحتاج إلى وقفات، ولابد من السعي إلى تنقية التراث منها بكل موضوعية وأدب وتقدير لجهود السابقين، وعدم نسف أو تبخيس..

وما أجمل ما ذكره هنا الإمام القرطبي في المفهم (8/96) : والمقصود من هذا الحديث أن لا يستمر الإنسان على غفلته عند رؤية الميت، فإنه إذا رأى الميت، ثم تمادى على ما كان عليه من الشغل، كان ذلك دليلا على غفلته، وتساهله بأمر الموت، فأمر الشرع أن يترك ما كان عليه من الشغل ويقوم، تعظيما لأمر الميت،واستشعارا به. انتهى

قلت: ذلك الشغل منه مادي لكل ما يشغل الجوارح ومعنوي لكل ما يشغل العقول والقلوب من أحقاد وأضغان وطائفية، فكل ذلك ينبغي أن يقف في تلك اللحظة وأمام ذلك المشهد..

ويصر البعض في كل المواقف على الإمعان في تشويه بعض المصطلحات وتكريه الناس فيها، والإسهام في ترسيخ بعض المغالطات، بل يجعل موقفه دليلا ومثالا واضحا، وسلاحا في يد المغالطين، الزاعمين لبعض المعادلات:
الإسلام بإزاء العنف
السنة بإزاء العنصرية والطائفية
وكل ذلك لضرب كيان هذا الدين، وتكون مثل هذه الهلوسات مطية لذلك، ويجعل كل حديثه عن التعايش والرحمة خواء في خواء، لذلك فموقفه هذا هو مغالطة من تلك المغالطات التي ينبغي أن تواجه بنفس الجدية التي تواجه بها مغالطات اولئك، وينبغي أن يقال عنها صراحة بأنها ليست من الإسلام أو السنة في شيء، وينبغي أن تعالج اسبابها ودوافعها..

ولو وقفت مع هذا المتضامن -مع أهل السنة- مع مفهوم أهل السنة، كما ذكر أحد الفضلاء، لوجدت عجبا عجابا، لأخرج وأخرج وأخرج حتى لا يكاد يبقي عشر معشار من قضوا، والبقية لا تضامن معهم ولا نظر في مصيبتهم، وقد يزعم البعض بأن أهل السنة مصطلح هلامي يتشكل حسب الأحوال، فمرة يكون في مقابل الشيعة وتارة في مقابل الأشاعرة، وتارة في مقابل الإخوان، وتارة في مقابل الحركيين، وتارة في مقابل بعض السلفيين انفسهم، فهو في الحقيقة عند هؤلاء مصطلح أهوائي مصلحي بحت، ينفر كل دين عقل وسلامة ودين وحكمة منه، وينتج عن هلاميته وأهوائيته هذه، تصور وحكم عنصري فادح فاضح كهذا الذي يتبناه البعض، ويخرج بين الفينة والأخرى في بعض الأزمات والملمات..

فالإسلام دين الرحمة والعزة والحكمة والسلام والقوة
والسنة منهج العدل والتعايش والعزة ومنهج (أليست نفسا)

ومشكلة هذا البعض هو خلط وعجن المفاهيم والمشاعر والأحقاد والضغائن والعنصرية والطائفية وصبغها بصباغة دين الله عزوجل والدين براء منها..

فدع عنك الإسلام ودع عنك السنة وتحدث عن ذلك صراحة دون إقحام للطهارة في مستنقعات النجاسة، والنور في غياهب الظلام..

اللهم ارحم  كل بريء
اللهم اشف  كل جريح
اللهم آو كل مشرد
اللهم عليك بكل معتد أثيم..

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".