أكثر ما يخاف لا يكون

يشكل الخوف من خفايا الغد جانبًا خطيرًا في شخصية المسلم.. فهو فجوة كبيرة تتسلل منها أفكار تتوقع شرًا.. وأخطار تتوجس ضرًا .. لتفرخ في قلب الخائف أحزانًا يتفطر لها القلب.. وتنهزم أمامها النفس ، ويندثر معها التفاؤل .. وتتلاشى بوجودها إشراقات الأمل ..

وكلما ازداد الخوف من الغد .. ازداد الهم والغم والقلق..

⁉️لماذا تخاف من الغد وأنت لا تدري ماذا تكسب فيه ؟ {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} [لقمان: 34] .

 

⁉️لماذا تحطم قلبك ، وتتعب فكرك في شيء لم يك بعد شيئًا

⁉️ألم تعلم أن أكثر ما يخاف لا يكون ؟

وأن المستقبل لا تؤثر فيه الظنون..

وأن تقلب الأيام ودوران الأحوال فنون..

وأن قدرة الله في شؤون الخلق فوق إدراك العقول.. ونظر العيون..

ألم تر كيف تباد في ليلة أمم. وترفع في لحظة أمم ؟!

ألم تر كيف يظهر الله العجائب من العدم..؟

إن قدرة الله على الخلق .. وآياته في القضاء والقدر.. وحوادث الأيام .. وحكايات الزمان.. ومنطق العقل.. كلها تدل على أن أحوال الزمان غريبة الأطوار .. متقلبة الأنماط .. لا تحكمها القوانين العقلية.. ولا التخمينات النظرية..

فمهما توقع المتوقعون .. وتوحي المتوحون .. ونظر المنظرون .. فحكمة الله في خلقه ماضية .. وقضاؤه في الحياة سار..

إن الليالي والأيام حاملة

وليس يعلم غير الله ما تلد

فلماذا تحرم نفسك لذة الاستمتاع بالحاضر.. لتجعل أوقاتك الثمينة مستهلكة في توقعات حزينة .. تؤرق ليلك .. وتهد عافيتك وتحرق قلبك..

لماذا تقفز على واقع الحاضر .. وتفر من سلامته وهدوئه .. وعافيته .. لتقتحم بخيالك ظلمات الغد.. وتكتب أقداره بالشكوك والوساوس والظنون .. ثم تصدقها .. وتتجرع آلامها.. وأنت لا زلت من أهل الحاضر لم تبارح مكانه .. ولم تمض زمانه !

 

عندك مال يكفيك .. وتخاف من فقر الغد !

 

وعندك عافية وهناء.. وتخاف من المرض.. وانعدام الشفاء!

تظل خائفًا تترقب .. ترى بعين التشاؤم غدك في أسوأ صورة .. وأقتم لون .

أين ثقتك بالله ؟ أين توكلك عليه ؟ أين اطمئنانك إليه ؟

أين حسن ظنك به ؟ أين تفويض أمورك إليه ؟

أولست تقرأ في القرآن {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3] أو نسيت أن توفيقك وهداك.. وطعامك وشفاءك .. وكفايتك وأمنك بيده وحده ؟ {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 79 – 80] .

{وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88]

{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا} [الحج: 38] .

سأل رجل حاتمًا الأصم فقال : علام بنيت أمرك هذا في التوكل على الله ؟

قال : على خصال أربع : علمت أن رزقي لا يأكله غيري ، فاطمأنت نفسي ، وعلمت أن عملي لا يعمله غيري فأنا مشغول به، وعلمت أن الموت يأتينى بغتة فأنا أبادره وعلمت أني لا أخلو من عين الله حيث كنت فأنا مستح منه .

ألا إنما الدنيا غضارة أيكـــة

إذا اخضر منها جانب حف جانب

وما الدهر والآمـال إلا فجـائع

عليها وما اللذات إلا مصائب

تكتحــل عينـاك منهـا بعبرة

على ذاهب منها فإنك ذاهب

 

كن ابن يومك .. أحضر فيه فكرك. واشتغل فيه بما ينفعك .. فإن يومك حقيقة .. وغدك خيال .. فلا تترك الحقائق وتشتغل بالخيال .. دع عنك شر الغد فإنه حكم الغيب .. ولا يعلمه إلا الله.. ولا يدبر الأمر إلا هو {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1].

شاهد أيضاً

غزة تنزف….

غزة اليوم هي عضو الأمة الأشدّ نزيفا من بين كثير من الأعضاء التي لا تزال تنزف من جسد المسلمين، ومخايل الخطر تلوح في الأفق على المسجد الأقصى، الذي يخطط المجرمون لهدمه، أو تغيير هويته وتدنيسه، ولا يمنعهم من ذلك إلا الخوف من بقايا الوعي والإيمان في هذه الأمة أن تُسبب لهم ما ليس في الحسبان.