أكبر مفاجآت للاحتلال.. هتافات شباب القدس تربك إسرائيل وتعيق حملات الاستفراد بهم وسلب هويتهم

في كل هبة فلسطينية يتركز انتباه قادة الاحتلال الإسرائيلي على القدس وأهلها، فهي محور الصراع وبوصلته، لكن في كل مرة تكون هناك أكبر مفاجآت له.

فعلى الرغم من مرور عقود على احتلال القدس -وما رافق ذلك من حملات ممنهجة طويلة الأمد لغسيل أدمغة الشباب المقدسي، صرفت عليها مئات ملايين الدولارات من أجل الاستفراد بهم وسلخهم عن هويتهم- فإن مواقفهم تثبت إخفاقا ذريعا للاحتلال في تحقيق أهدافه.

تصوّرْ كيف تكون ردة فعل الاحتلال بعد كل هذه الجهود، حين يسمع هتافات في وسط القدس مثل “تحية لكتائب عز الدين”، “أبو عبيدة يا حبيب.. اضرب اضرب تل أبيب”.

هذه الهتافات وغيرها تصدح بها حناجر شباب القدس يوميا منذ بداية شهر رمضان وحتى اليوم، خلال الأحداث التي لم تهدأ في المدينة، ويصرون على التجمع يوميا -رغم القمع والتنكيل- للسير على النهج ذاته في الدفاع عن حقهم الأصيل كفلسطينيين في المدينة.

وبصدورهم العامرة بالإيمان بعدالة قضيتهم، وشفاه لا تهتف سوى للأقصى وللمقاومة في غزة، تسهر عيونهم يوميا لحماية حي الشيخ جراح وباب العامود والأقصى، وكل مكان في القدس يستنجد لحمايته من المستوطنين واعتداءاتهم.

وفي يوم “توحيد القدس” الإسرائيلي قبل أيام نغّص المعتكفون في الأقصى والشباب بالقدس على المستوطنين الاحتفال به بإفشال اقتحامهم للمسجد المبارك والتجمع في باب العامود لأداء “رقصة الأعلام”، وأجبروا الشرطة الإسرائيلية على إزالة السواتر الحديدية.

تتويج جهود المقدسيين
شعر الشباب المرابطون في أكناف بيت المقدس أن التهديدات القادمة من غزة تُتوج جهودهم في ذلك اليوم، وبمجرد حلول الساعة السادسة مساء وانطلاق صافرات الإنذار في المدينة وسقوط أول صاروخ؛ صدحت الهتافات والتكبيرات من رجال القدس والزغاريد من نسائها، وأبواق السيارات حتى ساعة الإفطار، وهو ما أربك المخابرات الإسرائيلية أكثر.

ومنذ احتلال الشطر الشرقي من القدس عام 1967 لم تتوقف المحاولات الإسرائيلية -بكافة الوسائل- لسلخ المقدسيين عن هويتهم الفلسطينية، ورصدت لذلك مبالغ طائلة.

لكن أحدث القوانين في هذا الإطار أُقرّ عام 2018 وحمل رقم 3790 ورُصد من خلاله نحو 27 مليون دولار أميركي سنويا لـ “تطوير” منظومة التربية والتعليم والنشاطات اللامنهجية في شرقي المدينة على مدار 5 أعوام، بحيث تكون الميزانية الإجمالية للمشروع نحو 136 مليون دولار أميركي.

وهذه الأموال تضخ منذ 3 أعوام لبناء مدارس شرقي المدينة، توفر التعليم المجاني وتطبق المنهاج الإسرائيلي، وتدير سلسلة ضخمة من النشاطات اللامنهجية، 90% منها تقريبا بعيدة عن الجانب السياسي، وتقتصر على الجانب الترفيهي، لكن 10% منها تُتبع من خلالها سياسة التغلغل الناعم في عقول شباب وأطفال القدس، من خلال المراكز الجماهيرية التي وصل عددها إلى 7 في الأحياء الفلسطينية بالقدس حتى الآن.

هبة أبو خضير كانت البداية
توجهت الجزيرة نت للباحثة القانونية في مركز القدس للمساعدة القانونية بدور حسن للحديث عن تمسك المقدسيين بهويتهم الوطنية رغم عقود من محاولات التهويد من جهة، وحول أهمية البناء على ذلك وعدم الشعور بالطمأنينة لأن إسرائيل نجحت في كي الوعي مع أشخاص وفي مناطق معينة.

وقالت إنه “من المهم الرجوع إلى عام 2014 كنقطة مركزية للجهد الجماهيري خلال هبّة أبو خضير؛ لأنها غيّرت المعادلة بعد فقدان الاحتلال السيطرة على بلدة شعفاط على مدار أيام من المواجهات، وقبل هذا الحراك كانت المؤسسة الإسرائيلية تتخبط دائما؛ هل تحتوي المقدسيين أم تطردهم؟ وبعد أن اقتنعت أن التهجير الكامل ليس خيارا متاحا لجأت للاحتواء كحل أمثل”.

ومع مرور الأيام نشأت عدة تساؤلات، وخاصة خلال فترة نقل السفارة الأميركية إلى القدس ومحدودية التفاعل المقدسي مع هذا الحدث، ومع الانتخابات الفلسطينية مؤخرا فهم الكثيرون أنهم انسلخوا بالفعل عن هويتهم الوطنية.

أشارت الباحثة إلى أن مراكز أبحاث إسرائيلية تصدر استطلاعات رأي بين الحين والآخر مفادها أن المقدسيين يفضلون أن يكونوا تحت سلطة إسرائيلية لا فلسطينية، وقسم من هذه الاستطلاعات روّج لذلك من باب التمنيات بأن تتحقق هذه النبؤة، والقسم الآخر أكد أن ذلك يندرج في إطار نجاح المشاريع التي ضُخّت من أجل أَسرلة عقول المقدسيين.

لكن يأتي حراك الشارع المقدسي في كل مرة ليقول إن غضبه جذوره سياسية على الرغم من كل ما يُصرف من أموال بهدف إحداث تغييرات فكرية في حياة المقدسي، و”هناك ضخ لميزانيات ضخمة للتهويد، مع الحرص على أن المحيط الفلسطيني يجب أن يُخنق دائما، وبالتالي يُلقّن الطفل الفلسطيني -من خلال المنهاج المشوه والمراكز الجماهيرية- معلومات تختلف عن واقعه القاسي، فيرى أن الملاذ هو التعبير عن غضبه في الشارع تجاه كل إجراء تعسفي”.

تغيير الخطاب
وحول الهتافات للمقاومة الفلسطينية وللأقصى، علقت الحقوقية قائلة إن كثافة الهتافات في الهبّة الأخيرة كانت لافتة، مضيفة أنه يجب الانتباه أنه -منذ هبة البوابات الإلكترونية صيف عام 2017- توقف المقدسيون عن مناشدة المسلمين والعرب والاستنجاد بهم في خطاباتهم وهتافاتهم لإدراكهم بأننا “لن نقلع شوكنا إلا بأيدينا”، وبالتالي تغير الخطاب، لأن الجيل مقتنع بأن التغيير والنصر لا يأتي من الخارج ولم يعد يعول على أحد.

وتختم بدور حديثها للجزيرة نت بقولها إنه من الخطير القول “إننا نجحنا في إفشال مخططاتهم بكي وعي الشباب في القدس، لكن يمكن القول إن هويتنا متجذرة وهم مدركون أن سلخنا عنها صعب، وأن معركتهم طويلة يراهنون فيها على الوقت والنسيان والأجيال”.

وأكدت أن كل حراك يحصل في القدس يثبت مساميرا جديدة في عجلة الأَسرلة، ويعيد إسرائيل إلى مرحلة التخبط من جديد، وبالتالي من المهم البناء على الوعي المكتسب في كل حراك وعدم الاكتفاء بالاستنتاج اللحظي.

المصدر : الجزيرة

شاهد أيضاً

قتيل إسرائيلي في كريات شمونة بعد قصفها بعشرات الصواريخ من لبنان

قال حزب الله اللبناني إنه أطلق عشرات الصواريخ على مستوطنة كريات شمونة، ردا على غارات إسرائيلية على مركز إسعاف أدت إلى مقتل 7 متطوعين، بينما أعلنت الطوارئ الإسرائيلية مقتل شخص جراء القصف على كريات شمونة.