أعوذ برضاك من سخطك..

بقلم الشيخ سفيان ابو زيد

كيف يكون العوذ بالرضا من السخط؟
لماذا قال سخطك ولم يقل غضبك؟
وما تجليات ذلك الرضى والسخط؟

أي احتمي وأطلب اللوذ والعوذ برضاك، من سخطك، من أن يقترب مني أو ينالني أو أصل إليه أو أقع فيه..
والرضى هنا غاية وسبب، والسبب كسبي وتوفيقي، وكذلك السخط، فيه غاية وسبب، والسبب كسبي وخذلاني، كيف ذلك؟
فالغاية بالنسبة للرضى: أحتمي برضاك، وأرجو رضاك وأقصد رضاك وابتغي رضاك وأسير إلى رضاك، فهذه غايتي ونيتي وقصدي، وإن قصرت او تجاوزت أو تعبت أو تهت أو ضللت أو تعمدت أو زللت أو غفلت أو سهوت أو عجزت أو استهترت او زهدت أو حيل بيني وبين رضاك أو انتابني شك او ريبة، فقصدي الأصل الأصيل هو رضاك هو غايتي وقصدي ومناي وهدفي الصادق الحقيقي البعيد عن كل تواكل أو تمن، وإن قلت عدتي أو نفدت أو انعدمت..فتفضل علي وأكرمني وجد علي ومن علي وتحنن إلي برضاك..
وفي هذا المعنى من الاعتراف والانكسار والاستسلام والتبرئ من الحول والقوة وأوهامهما..
وأرى أن هذا المعنى هو المقصود أصالة..

والغاية في معنى السخط: أتقي وأحتمي من سخطك، وغضبك وعدم رضاك، فهذا مقصدي والأصل في قراري وموقفي، ابتعد كل البعد عن تلك الحمى، فاحمني وجنبني إياها، وإن مالت ورغبت نفسي ودعتني شهوتي ولبست علي شبهتي أو غفلت يقظتي أو ضعف احتياطي، وانحل حزمي وعزمي..فمن علي بهذا الاحتماء وتفضل علي بذلك البعد والابتعاد…

ولم يقل: ( من غضبك ) ؟
وفي معنى السخط التكبير والعلو، فلا ينسب السخط إلا إلى الكبير وعالي المقام، ففيه من الانكسار والانحناء ما فيه..
وفيه إشارة إلى المعنى الذي من أجله حل الغضب وعدم الرضى وهو الكراهة، فالمسخوط المكروه، وبالتالي فيه ذكر لعلة الغضب، فاعوذ برضاك، وفي الرضى كل معنى القبول والموافقة وعدم الغضب أو الرفض او المخالفة، وهذه مراتب، لكل مرتبة نصيبها من نسبة الرضى.. ( من سخطك) من كراهتك وغضبك وعدم رضاك…

وسبب الرضى: ما يحقق ذلك الرضى ويفتح له الباب، ويمهد له الطريق والمسلك والممر، ويزيل عنه العقبات والمطبات والعلائق والعوائق…
وسبب السخط: ما يؤدي إلى السخط والكراهة، وليس المقصود بالكراهة هنا الكراهة الأصولية، وإنما مطلق الكراهة وما يكرهه الله تعالى، فيدخل فيه كل فعل هو كراهة وسخط في ذاته أو يؤدي إلى الكراهة والسخط، وكل ترك هو كراهة وسخط في ذلك أو يسبب كراهة وسخطا..

إلا أن هذا السبب، سواء سبب الرضى أو سبب السخط منه كسبي ومنه توفيقي محض:

فالكسبي من الرضى: كل ما أشار إليه الوحي من مرضيات الله تعالى من شعب الإيمان دقيقها وجليلها، ومتنوع الأخلاق والقيم والعبادات والمعاملات، وفضائل الباطن والظاهر، فإنني يا رب أحتمي بهذه الأسباب وتلك الأعمال المعقولة المعنى من الخيرات وغير معقولة المعنى مما دلنا عليه الوحي، وأخبرنا بأنها من مرضياتك، مع قصدنا لرضاك في فعلها، والتي تحقق رضاك وتدعو إلى رضاك، وتشيع رضاك فإنني احتمي بها وألوذ بها من سخطك ومسخوطاتك..
والكسبي من السخط: كل ما أدى إلى السخط من الافعال و الأقوال والتروك والأحوال اللازمة او المتعدية، فإنني احتمي منها وألوذ منها وألجؤ منها إلى مرضياتك ومحبوباتك..

والسبب التوفيقي من الرضى: ما لم أقصده أو انوه أو لم ادركه او استطيعه أو عجزت عنه أو غفلت عنه أو جهلته أو حيل بيني وبينه من صنوف المرضيات، فأسألك يا رب أن توفقني إليه ولا تحرمني منه او من ثوابه ومعناه المحقق لرضاك..
والسبب الخذلاني من السخط: ما وقعت فيه دون قصد أو أدتني إليه غفلة او جهل او ميل او شهوة او شبهة أو خطأ او سوء تقدير أو ضلال أو زيغ أو تأول أو تأويل أو تسرع أو تباطؤ من مهاوي ومظان مسخوطاتك، فأسألك أن تحميني منه وتجيرني منه وتبعدني وتشغلني عنه بصنوف مرضياتك..

ونفهم من هذا التقابل قوله تعالى ( إن الحسنات يذهبن السيئات ) وإن المرضيات يذهبن المسخوطات، فلنكثر من المرضيات ونشغل جوارحنا وعقولنا واوقاتنا وذواتنا ومجتمعاتنا حتى نحتمي بها من المسخوطات المكروهات…

وإنما كان هذا المعنى أدنى رتبة من الغاية والقصد، دنو السبب والوسيلة من الهدف والمقصد، ولأن تحقيق الرضى بالأول أجدر من تحقيقه بالثاني، وهنا يحضرني قول النبي صلى الله عليه وسلم ( إلا أن يتغمدني الله برحمته ) فالاجتهاد وبذل الوسع في طلب الرضى والابتعاد عن السخط مطلوب، إلا أن الرجاء في الرحمة والفضل والرضى والقبول سابق ولاحق.

ونكمل باقي الدعاء في حلقات قادمة..

والحمد لله رب العالمين
والله أعلم

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".