أطفالنا كيف يسمعون كلامنا

أطفالنا كيف يسمعون كلامنا

طريقة عمليةلتشجيع طفلك العنيد على طاعتك

كتاب رائع للخبير التربوي عبدالله محمد عبد المعطى

الفصل الأول/ أفكار عملية
( اضبطه متلبسا بحسن السلوك )

يقول أحد الآباء: أتذكر عندما وصلت إلى البيت في مساء أحد الأيام بعد يوم كامل من العمل مرورا بصعوبات المديرين، وبعدها مرورا بإشارات المرور، وكنت مرهقا تماما، عندما دخلت البيت قابلني ابني الذي قضى معظم اليوم في تنظيف حجرته، والتخلص من المهملات، وكان صغير السن، ولكنه كان يستطيع أن ينظفها وينظمها بصورة أفضل بناء على التعليمات التي اعطيتها له، وبمجرد دخولي للغرفة التي نظفها، كانت أول ملاحظاتي سلبية: لماذا لم تفعل هذا؟ ولماذا تركت هذا هنا؟ لدرجة أنني اهملت ما فعله من خير، كل ما أتذكره ولن أنساه أبدا هو ذلك الضوء الذي بدأ يخفت في عينه عندما بدأت في نقده وتشويه ما قام به، لقد كان مرهقا جدا نتيجة لما قام به من جهد، وكان ينتظرني على امل أن يسمع مني كلمات المديح والثناء، لكنه تفاجأ بملاحظاتي السلبية…

وعندما رأيت الضوء يخفت في عينيه عرفت فورا أنني أخطأت، وحاولت الإعتذار، وحاولت الإيضاح، وحاولت التركيز على الأشياء الجيده التي قام بها، والتعبير عن حبي وتقديري، لكنه ظل صامتا، ولم يعد ضوء اليعادة لعينه قط في ذلك المساء…

مرت أيام، بعدها أخذ هذا الطفل الطيب يتحدث عن تجربته معي حتى خرجت أحاسيسه، وهذا علمني أنه عندما يقوم الناس بافضل جهد لديهم، فإن حقق تصوراتك أم لم يحققها، لابد أن تعبر له عن تقديرك عما أنجز، ولا تعطي إشاره سلبية أبدا حتى إذا كنت على حق، وإن كانت نيتك مساعدته في تحسين أدائه لتلك المهام مستقبلا؛ فاسكت ثم قل رأيك في وقت لاحق، لكن في هذا الوقت امدح الجهد، واثن على القلب الذي بذل هذا الجهد، وركز على الأهم وهو قلب وعقل طفلك…

🔹التربية السلبية والنقد التربوي

يعتبر النقد هو الاستراتيجية رقم واحد التي يستخدمها الآباء لتحفيز أبنائهم على الطاعة والتغيير نحو الأفضل، والنقد هو الاستراتيجية رقم واحد التي يستخدمها الناس عموماً لتحفيز الآخرين، فالمدرسون يستخدمونها مع التلاميذ، والأزواج والزوجات يتعاملون بالطريقة نفسها، والأصدقاء يتعاملون بها أيضاً مع بعضهم، وأصحاب العمل يطبقونها مع الموظفين… والنقد الدائم بنية الإصلاح يمكن تسميته
“النظرية السلبية في التغيير”، وهذه النظرية تعمل بالطريقة التالية:
يقرر أحد الآباء أنّه يريد أن يربي أولاده تربية جيدة ليكونوا صالحين نافعين، ومن أجل تحقيق الهدف، يجد أن أفضل ما يفعله كأب هو أن يرشد أولاده إلى ما بهم من عيوب، وهذا لكي يصلحوا ويكونوا بحال أفضل…

وهناك سبب آخر يجعل الآباء يمارسون سياسة النقد والإدانة والاتهام مع أطفالهم، إنّه الميراث التربوي، فكلّ جيل من الآباء يتعلم هذه الطريقة من الجيل الذي سبقه، والمنطق الذي يحكم هذا الميراث هو: أنّ الأطفال يقعون في الأخطاء وليس لديهم خبرة بالصواب، ولذلك يكون على شخص آخر أن يرشدهم إلى عيوبهم، وعلى اعتبار أنّنا الآباء، فيجب علينا تحمل تلك المسؤولية، وبهذه الطريقة تجد هذا الأب الحاني يركز مع أولاده على كلّ ما هو سلبي وسيئ في سلوكياتهم،
وعندما يستمر الأب في إخبار ابنه بأنّه كسول وغير مطيع، فالمرجع أنّ الابن سوف يصدق هذه الحقيقة عن نفسه، ويتصرف طبقاً لهذا التصور…

“عندما يسمع الطفل من والديه أنّه غبي، ويسمع الكلمة نفسها من معلمه ومدربه وأصدقائه، فإنّه سيصدق ما اتفق عليه الجميع، عندما ينظر في المرآة لن يرى إلّا شخصاً غبيّاً..”

أيها المربي الكريم؛
دعنا نقم برحلة قصيرة في الذاكرة، أنت تعلم أنّ امشي والكلام يعتبران أصعب شيء يتعلمه الأطفال في سنواتهم المبكرة، فهل تذكر عندما كنت تعلم أطفالك الكلام والمشي لأوّل مرة؟ يا ترى كيف قمت بتعليمهم تلك المهارات؟ بالطبع لقد استخدمت نفس الطريقة التي يطبقها جميع الآباء؛ لقد استخدمت
التشجيع القوي والمديح الشديد والتصفيق الحاد،
ومن المؤكد أنّك لم تقل لطفلك وهو يتعلم المشي قولاً ناقداً مثل: هذه هي المرة العاشرة التي تقع فيها اليوم، ربما يجدر بك أن تستسلم، بهذه الطريقة لن تتعلم المشي أبداً، ومن المؤكد أنّك لم تقل لطفلك وهو يتعلم الكلام: النطق الصحيح لكلمة كذا هو كذا، ألا تستطيع أن تنطقها بطريق صحيحة أبداً؟.. من المؤكد أنّك لم تفعل ذلك، ومن المؤكد أيضاً أنّك بدلاً من النقد كنت تبحث عن أي دليل (مهما كان صغيراً) على أنّ طفلك يسير في الاتجاه الصحيح نحو تعلم الكلام والمشي، ثم أخذت تثني على ذلك الدليل وتشجعه.
كأن تقول مثلاً: ما شاء الله، أحسنت، لقد خطوت أولى خطواتك، فهيا لتخطو خطوة ثانية، أحسنت، نعم أحسنت، ها أنت تمشي بالفعل، هيا تعالى نحوي، ثم أخذت طفلك في حضنك بحب ومرح، ثمّ طلبت من زوجتك في سعادة أن تنادي على الجد والجدة وعلى الجميع ليأتوا ويشاهدوا خطوات طفلك الأولى، ومن المؤكد أنّك عندما وجدت طفلك ينطق أوّل كلمة له – ويخطئ في نطقها بالطبع – هتفت فرحاً وأخذت تصححها له برفق وحب، وربما التقطت له صور الفيديو وهو يقولها،
وبتلك الطريقة الحانية والنظرة الإيجابية المشجعة استطاع طفلك أن يمشي ويتكلّم بمهارة عالية،

والسؤال: لماذا لا تستخدم تلك الطريقة لتشجع طفلك على طاعتك؟ لماذا تصر على طريقة “النقد الدائم” مع نتائجها السلبية؟

🔹 ورشة عمل:

يقوم المدرب التربوي بسؤال الآباء السؤال التالي: كيف تكافئ طفلك إن هو أطاعك؟ ويستمع لإجابات الآباء والأُمّهات وسيجد من بينهم مَن يقول: ولم أكافئه؟ فطاعتي واجب عليه، ويكون الرد بمنتهى البساطة: ولم يعطينا الله تعالى المكافآت (الجنة وغيرها) مع أنّ طاعتنا له واجبة علينا؟ ويجب لفت انتباه الآباء والأُمّهات إلى القاعدة التربوية القائلة: *_إنّ السلوك الذي لا يعزز يخبو ويموت، والطفل المطيع يتمرد ويرفض طلب أُمّه لأنّه لم يذق حلاوة طاعته ولم يجد ثمرتها…

🔹 كيف تصنع النظرة الإيجابية طفلاً مطيعاً؟

_لنفترض أنّ هناك مشكلة بين وبين أحد أولادي لأنّه يعود إلى البيت متأخراً عن موعده باستمرار، فأوّل شيء سوف أفعله لعلاج تلك المشكلة هو أنّني سوف انتظر أحد الأيام التي يعود فيها إلى البيت في الموعد المحدد، ولنفترض أنّ أُمّه قد نبّهت عليه في ذلك اليوم أن يعود في تمام الثالثة ليتناول معنا طعام الغداء، ولنفترض أنّني لاحظت أنّه لم يعد فقط في الموعد المحدد بل عاد مبكراً عنه، كما أنّه ساعد والدته في تجهيز مائدة الطعام، وعندها سانتظر حتى يأتي المساء، وقبل أن يذهب إلى النوم، سوف أقول له: لقد سمعت أنّ والدتك قد نبّهت عليك أن تعود إلى البيت في الساعة الثالثة لتتناول معنا طعام الغذاء، وقد لاحظت أنّك قد عدت في الموعد المحدد، بل إنّك عدت مبكراً وساعدت أُمّك في إعداد مائدة الطعام، وهذا دليل على أنّك شخص دقيق في مواعيدك، وليس هذا فحسب، بل إنّك تساعد الآخرين وتراعي مشاعرهم، وأنا حقّاً أقدر فيك هذه الصفات الطيبة، ثم أقبله وأنصرف…
ونتيجة لذلك قد يبذل الابن جهداً خاصاً في اليوم التالي حتى يعود إلى البيت في الموعد المحدد، وربما تشترك معي والدته وتشكره وهو ما سيجعله يشعر بالرضا، ولأنّ احترام المواعيد قد أكسبه هذا الشعور، فربما يكون ذلك حافزاً له على احترام المواعيد في مجالات أخرى من حياته، وعندما يفعل ذلك؛ فإنّ نظرته لذاته سوف تتطور إلى نظرة إيجابية مفادها أنّه شخص دقيق في مواعيده…

شاهد أيضاً

عبد المجيد الزنداني.. حياة حافلة بالعلم والعمل والجهاد

ودع اليمنيون والأمة العربية والإسلامية يوم الإثنين 13 من شوال 1445 للهجرة، الموافق 22 أبريل 2024م علما من أعلام هذه الأمة، وكوكبا من كواكبها، وهاديا من هداتها، ورائدا من روادها، هو الشيخ عبد المجيد بن عزيز الزنداني، العالم العامل، والمجاهد والمربي، والقدوة المعلم، القرآني المحمدي الرباني، صاحب العطاءات الدعوية، والإمدادات التربوية، والجهود التعليمية، والأطوار الجهادية،