أسباب العلاقة المتوترة بين تركيا واليونان

تحليل : موقع نورس للدراسات

المشكلة بين تركيا واليونان تمتد لعقود، فمع استقلال اليونان عن الدولة العثمانية عام 1830، بدأ اليونانيون يحلمون باستعادة العاصمة “القسطنطينية”.

قبل 100 عام تقريبا، وعدت بريطانيا اليونان باستعادة مناطق في تركيا مثل اسطنبول وإزمير، وبدأ اليونانيون حربا للسيطرة على غرب تركيا بحجة حماية الأرثوذكس، مستغلين فرصة انشغال تركيا بحرب ضد ارمينيا، وكاد اليونانيون ان يدخلوا انقرة، الا انهم تكبدوا خساىر فادحة بسبب دخولهم في عمق الاناضول، ولدعم السوفييت لأتاتورك، مقابل تخليه عن مناطق لصالح روسيا، ثم تلقيه مساعدات عسكرية كبيرة من إيطاليا (بسبب التنافس مع اليونان على غرب تركيا) وفرنسا (بسبب كرهها لبريطانيا التي دعمت اليونان)

عام 1920، وقعت الحكومة العثمانية التي كانت تحت وصاية بريطانية معاهدة سيفر متنازلة لليونان عن إزمير وتراقيا واجزاء من القسطنطينية، وقبلت بوضع مضيق البوسفور تحت إشراف دولي. لم يقبل اتاتورك بالاتفاق، واستمر بالقتال حتى توقيع معاهدة لوزان، بتخلي اليونان عن كل الأراضي التي سيطرت عليها خلال الحرب، والانخراط في عملية تبادل السكان مع تركيا، واعتراف الحلفاء باستقلال الجمهورية التركية وسيادتها على تراقيا الشرقية والأناضول والأقاليم السورية الشمالية.

بقيت العلاقات التركية اليونانية سيئة بعدها، وفي السبعينيات، حدث انقلاب في قبرص، بأمر من اليونان، لتوحيد قبرص واليونان.

كرد على الانقلاب، ولحماية الاتراك في الجزيرة، دخلت تركيا قبرص، وسيطرت على 40 % من الجزيرة قبل أن يتم وقف اطلاق النار وانشاء منطقة عازلة تابعة للأمم المتحدة.

في عام 1982 دعمت الامم المتحدة جنوب قبرص، باتفاقية قانون البحار والتي وقعت عليها 167 دولة، واعتراض تركيا، والتي تعطي قبرص حدودا بحرية، وأعلنت جمهورية شمال قبرص استقلالها في عام 1983، كرد على الاتفاقية، ولم يعترف بالجمهورية الجديدة الا تركيا، حيث يعتبر المجتمع الدولي حتى الآن شمال قبرص إقليما تابعاً لجنوب قبرص

مع بقاء مشكلة قبرص معلقة، وعدم ترسيم الحدود المائية بين اليونان وتركيا، استمرت المشاكل بين البلدين، وتفاقمت بعد استعانة قبرص بشركة نوبل إنرجي الأمريكية والتي اكتشفت حقول غازية كبيرة قرب السواحل القبرصية، ثم اكتشاف إيني الايطالية حقل ظهر في المياه المصرية، واكتشاف توتال الفرنسية حقول أخرى قبالة السواحل القبرصية، وهنا ظهرت مشكلة: من يحق له الاستفادة من الغاز؟ من جهة هناك تركيا وشمال قبرص ومن الجهة الاخرى قبرص واليونان والكيان الصهيوني وفرنسا.

ازداد التوتر مع قيام قبرص واليونان والكيان الصهيوني ومصر بوضع خطة مشتركة لاستخراج وتصدير الغاز من شرق المتوسط، وانضمام دول لهم في العام الماضي مثل إيطاليا والأردن والسلطة الفلسطينية (وحفتر لو انتصر)، فالانظمة الوظيفية تمكن الدول من سرقة مقدرات شعوب المنطقة، وتعيد ترسيم الحدود بما يخدم اليونان.

بالنسبة لتركيا، فهي تسعى لتأمين الغاز لمنع اعتمادها الدائم على الواردات الغازية من دول مثل روسيا وايران، بهدف تحقيق “أمن الطاقة” ولدفع الاقتصاد وتقليل تكاليفه، حيث يساهم اعتمادها الكبير على الطاقة المستوردة في استمرار العجز في الميزانية ويحد من المجال السياسي لأنقرة للمناورة مع الموردين الرئيسيين لها مثل روسيا وإيران.

وعلى هذا الأساس قامت في عام 2018 ، بالاعلان عن أول سفينة حفر تركية “فاتح” وابحرا محاطة بالسفن الحربية وبدأت العمل في المياه المتنازع عليها، لتتبعها سفينة حفر تركية اخرى، فتركيا ليست راضية عن تجاهل الاتحاد الاوروبي لحقوق شمال قبرص في حقول الغاز المكتشفة او لتجاهل مطالبها في الحدود البحرية.

تبع الاعلان التركي قرار الكونغرس الأمريكي نهاية العام الماضي، رفع حظر الأسلحة المفروض على قبرص وزيادة المساعدات العسكرية للجزيرة، اما الاتحاد الاوروبي فصرح ان تركيا لاعب عدواني،

مع توقيع تركيا لاتفاق الحدود البحرية مع حكومة الوفاق في ليبيا، والمعترف بها من الأمم المتحدة، ردت اليونان بأن الاتفاق يتجاهل حقوق جزيرة كريت، وقال الاتحاد الأوروبي إن الاتفاق ينتهك الحقوق السيادية لدولة ثالثة (اليونان) ولا يمتثل لقانون البحار، ليزداد التوتر بين الاوروبيين والاتراك.

هكذا أصبح الوضع شرق المتوسط معقدا ويزداد سخونة، خاصة مع تهديدات بفرض عقوبات على تركيا، ونوايا الاخيرة التنقيب على الغاز في المياه الاقليمية المتنازع عليها مع اليونان، وقتها سيكون هناك رد يوناني أو اوروبي أكثر قساوة.

لا تريد تركيا على مايبدو التصعيد، سوى لضمان ايجاد حلول اقتصادية وسياسية تضمن مصالحها، وعدم تثبيت انظمة وظيفية معادية لها في شمال افريقيا. وتتوافق الجزائر مع تركيا على هذه المسألة من ناحية منع نفوذ السيسي او الامارات في ليبيا، ومنع اكمال مشروع شرق المتوسط والذي يهدد صادرات الجزائر الغازية لاوروبا، كما يهدد صادرات قطر الغازية لاوروبا.

مع انخفاض أسعار الغاز بسبب وفرة الإمدادات العالمية، وبسبب الازمة الاقتصادية، وكورونا، فمشروع شرق المتوسط أصبح مهددا بالكامل، خاصة وأن أوروبا لديها إمدادات رخيصة من روسيا والجزائر والنرويج وقطر وحتى من أمريكا، وهذا ما قد يساهم في تبريد المواقف لمحاولة ايجاد حلول سياسية دون صدامات عسكرية.

مع ذلك فهناك مكان آخر قد يسخن المواقف مرة اخرى، وهو ملف سرت في ليبيا. لكن حتى الآن ومع خفة حدة التصريحات من جميع الاطراف، وكثرة الزيارات بين البلدان المعنية، تشير الى محاولة ايجاد حل سياسي للمشكلة.

نستبعد إمكانية الوصول لحل سياسي، ليبقى هذا الملف كباقي ملفات المنطقة “معلقا” بانتظار ضعف أحد الاطراف.

شاهد أيضاً

شهداء بقصف إسرائيلي على رفح والاحتلال يرتكب 4 مجازر في القطاع

تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي شن غاراتها الجوية على مناطق متفرقة من قطاع غزة بينها مدينة رفح جنوبي القطاع، رغم تحذيرات دولية من خطورة شن عملية عسكرية على المدينة المكتظة بالنازحين، في حين تنتشر أمراض الجهاز التنفسي بينهم.