أزمتنا فينا

بهذه المناسبة الأليمة (إعلان ترامب) وهي مناسبة لم تخرج عن سياق المتوقع وعن المألوف، أدعو بكل حرقة وأسى، إلى وقفة احتجاجية مع الذات الفردية والجماعية، فنحن في حقيقة الأمر لا نشكو من غطرسة متجبر؛ بل نشكو من القابلية للخنوع… نحن نشكو من حالة الشرود الجماعي..

نشكو من الغلّ الذي شتت شملنا، ومن الجهل الذي أودى بحاضرنا، نشكو من صراعات هدت أوصالنا…

نشكو من ضعف شامل يمضي في تدمير رصيدنا الحقيقي من الأخلاق والمعرفة والعلم والدين… من الشهامة وحب الخير لبعضنا، من البذل ومن العطاء.

نحن أمة ضيعت أمانة وجودها، ضيعت أمانة التربية في خَلَفِها، ضيعت وقتها في الشجب والتنديد.

نحن أمة كسولة، ندعي شرفا لا نستحقه… ندعي خيرية ليست لنا…نحن أمة تسعى إلى وحدة كاذبة بقلوب شتى وأفئدة حاقدة.

نحن أمة أمية تجهل فداحة وضعها ..هذا واقعنا..

نحن أمة فينا أهل فضل وخير وبصيرة ولكنهم قلة؛ فإذا نهضوا منذرين عريانا حاججناهم بجهلنا فسكتوا ..

نحن أمة نزايد على عقلائنا ونزاحمهم بجهلنا؛ فإذا قالوا إن مشكلتنا مشكلة منهج تحدث الجميع عن المنهج بجهالة مركبة. وإذا نبّه بعضهم إلى ضرورة بناء فلسفة إسلامية جاء الجاهلون بضوضاء تشبه القول الفلسفي فأنسونا القول الحكيم، وإذا قالوا إن الفكر الإسلامي يحتاج إلى تقصيد صار للجميع نظر مقاصدي. وإذا قالوا إن حاجتنا إلى مراكز للدراسات حاجة ملحة ميّع الناس المطلب، فنهضوا إلى تأسيس “دكاكين” بأسماء ضخمة ومثيرة تنقل أهدافا كبيرة بدون رؤية ولا خبرة، بشعارات النهوض بالفكر وبناء الاستراتيجيات، ثم تنصرف الانشغالات عن هذا الهم الثقيل إلى تنظيم مخيمات ترفيهية للأطفال.

نحن أمة تمارس الدكتاتورية باسم الديموقراطية، وتمارس الخداع باسم السياسة… تمارس الإيديولوجيا باسم الدين، وتمارس الوعظ باسم الفقه والعلم.

نحن أمة تائهة، ندرس العلوم البحتة بلا رؤية ولا استشراف للمستقبل الذي نريد، نعيش حياتنا الفردية والجماعية بعشوائية فظيعة، بدون تخطيط وبدون أهداف مسطرة.

نحن قوم نحسن النقد اللاذع الجاهل في بعضنا، نحسن الانتفاض الموسمي، ونحسن الغضب…نحسن القول ولا نحسن العمل، نجنح إلى التكفير بدل التفكير.

نحن قوم خرّبنا بيوتنا بأيدينا وبأيدي أعدائنا، نقضنا العهد مع الله، وأفسدنا الصلح مع الذات.

نعم يعيش العالم العربي اليوم حالة من التخبط غير مسبوقة، ومن الكيد البيني الذي أتى على كل شيء…فما العمل؟ أفنغضب لهول الدمار الذي أحدثناه فينا بأنفسنا؟ أم نغضب لأحوال تعليمنا وكيف صارت مؤسساته مراتع للمجرمين وملاذات آمنة لبيع المخدرات وللدعارة أيضا، ولإهانة المربين؟

لقد كثرت مواجعنا، فما صرنا نعرف مصدر الآهات التي تصدر من أعماقنا.

حين يقف كل واحد منا مع ذاته وقفة صادقة ومسئولة وبعيدة عن العنترية الزائفة، آنذاك فقط نكون في حالة انتفاض حقيقية، انتفاض واع من سبات عميق وغفلة مزمنة، وحينئذ فقط نكون على السكة الصحيحة… فإذا استعدنا وعينا لن يعجزنا إصلاح الأوطان ولن يعجزنا رد فلسطين إلى حظيرة المسلمين، واستعادة كرامة الأوطان في بلاد المسلمين.

شاهد أيضاً

عبد المجيد الزنداني.. حياة حافلة بالعلم والعمل والجهاد

ودع اليمنيون والأمة العربية والإسلامية يوم الإثنين 13 من شوال 1445 للهجرة، الموافق 22 أبريل 2024م علما من أعلام هذه الأمة، وكوكبا من كواكبها، وهاديا من هداتها، ورائدا من روادها، هو الشيخ عبد المجيد بن عزيز الزنداني، العالم العامل، والمجاهد والمربي، والقدوة المعلم، القرآني المحمدي الرباني، صاحب العطاءات الدعوية، والإمدادات التربوية، والجهود التعليمية، والأطوار الجهادية،