أخلاق الفرسان

من اهداء الاستاذ محمد جابر من الجمعية المحمدية
بالطيبة المثلث فلسطين 48

الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، يقول عن سبب غيابه عن غزوة بدر التي سماها القرآن يوم الفرقان: ما منعنا أن نشهد بدراً إلا أني وأبي أقبلنا من ديارنا نريد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخذتنا كفار قريش (اسروهم)، فقالوا: إنكم تريدون محمداً، فقلنا: ما نريده، إنما نريد المدينة، فأخذوا علينا عهدا وميثاقا ان نذهب إلى المدينة، وان لا ننضم الى الرسول ومن معه من المسلمين فأعطيناهم العهد والميثاق فلما جاوزناهم أتينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكرنا له ما قالوا وما قلنا لهم، ؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: “نفي بعهدهم ونستعين بالله عليهم”، فانطلقنا إلى المدينة، فذاك الذي منعنا أن نشهد بدراً.
كان جيش المسلمين يتجهز للقتال، وهم في أمسِّ الحاجة إليهما حيث كان عدد جيش المسلمين 314 وعدد جيش كفار قريش 1000، وكان في الامكان التذرع بذلك وان العهد اعطي لكفار محاربين، لكن قيمة القيم اعظم في الاسلام من أي انتصار يفقد من خلاله الدين هويته، فما جدوى نصر تحققه مجموعة من المسلمين يتنازلوا من اجله عن قيم الاسلام، وهل نستطيع ان نقول ان الاسلام انتصر في هذه الحالة؟. ولو امعنّا التدقيق في هذا الحديث لوجدنا ان النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الانصراف أمرهما بصيغة المثنى لحذيفة وأبيه فقط، أما الوفاء بعهد المشركين قال (ونفي) بالجمع لا التثنية، لأن الموقف هنا يمثل المسلمين جميعاً، موقف استعلاء المبادئ والقيم والمثل عن أي مصلحة فردية او جماعية حتى لو كانت هذه المصلحة هي معركة حاسمة مصيرية قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم مناجيا ربه “اللهم إن تهلك هذه الفئة فلن تعبد في الأرض أبداً”، ومع ذلك لا مساومة على القيم والمبادئ.
هناك رجال يؤثرون الهزيمة على النصر الملتوي اللئيم! اما ان يظهرها الله او الهلاك والموت عليها او من اجلها شعارهم ماذا ينفع الانسان اذا ربح العالم كله وخسر نفسه وهويته واصبح ينظر الى ذلك الانسان الذي يحمل جسده بازدراء وعدم احترام …
ان الدنيا لا معنى لها بدون هؤلاء القمم السوامق، صحيح اننا احيانا لا نستطيع ان نكون مثلهم، ولكن الصادق منا مع نفسه يعظمهم ويقدرهم ويعلم انهم ملح الارض وماء الوجود فلا ترى أزمات الدنيا منهم، إلا شخصية لها مبدأ واحد، وعقلية لها تفكير واحد، ولتكن النتائج بعد ذلك ما تكون!
فهم يستطيعون تحقيق أغراضهم لو غيروا قليلا من اتجاه نفوسهم، واتجاه عقولهم، ولو تغيروا قليلا لفوتوا على خصومهم أهم اسلحتهم، ومع ذلك يرفضون، فإما نصر يجيئ مع مبادئهم أو.. لا نصر! فلا قيمة له إن جاء من غير هذه الطريق..
إن طبيعة الفرسان ذوي التقاليد الكريمة، أن يبرز الواحد منهم لصاحبه في الساحة العادلة، فإذا زلقت قدمه لم يسارع إلى الإجهاز عليه بطعنة غادرة، بل أعانه على الوقوف لينتصر عليه في مبارزة شريفة، لأن عناصر الغلب الشريف لم تتوفر في هذه المبارزة، أو لأن قوانين النزال لم تراع في هذه المباراة، وإذا كان خصومه قد انتهكوها فإن ذلك لا يبيح له انتهاكها.
قد تتساءل الغالبية العظمى من الناس عن مدى نفع هؤلاء الرجال لأممهم، وعن مدى النجاح الذى قد تحظى به سياستهم في عالم مليء بالانتهازيين والانتفاعيين؟ يدينون بأن الغاية تبرر الوسيلة؟ وقد يتهمهم البعض بالجمود بل الحمق، والعقم، وضعف النظر، وضيق الأفق وفي احاين كثيرة هذا النقد وان شئت فسميه السباب يوجهه اليهم من هم من المفروض شركاؤهم في المنهج والرسالة، وهنا تكون الغربة والوحشة. أن لا يفهمك او يتقبلك من لا يحمل رؤيتك فهذا امر مفهوم وان كان غير مقبول، أما ان تجد نفسك تحاول ان تقنع إخوانك في الطريق ان التزام الطريق بحذافيرها هو غاية الطريق والا لا قيمة للسلوك فيها اصلا، هذا اصعب ما قد يواجهه هؤلاء الفرسان.
إن أمثال هؤلاء الرجال مدار لقوى الخير الذى لابد منه على ظهر الأرض، ومظهر للإنسانية المتعالية بفضلها ونبلها على الأعراض والمغريات!. انهم القدوات والاسوات التي نريد ان يقتدي بهم ابناؤنا بصلابتهم وثباتهم وصبرهم ومصابرتهم ورباطهم لا يضرهم من خذلهم او خانهم او سخر منهم او تهكم. هؤلاء هم من مدرسة نوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام.
لا تصدق رجلا حتى لو نصبه البعض شيخ الاسلام وامام الحرمين وحجة الدين يحدثك بحديث سيد الشهداء…. ثم يخرج يمدح سلطانا فاسقا ظالما جائرا مطعون في دينه وولائه…، ولا تقبل لهم عذرا او اعتذارا، يقولون ما لا يفعلون ويأمرون الناس وينسون انفسهم، فالله يمقتهم والصالحون يحقرونهم، صورهم واجسامهم تعجبك فتخدع البعض، اما قلوبهم خشب مسندة خاوية منخورة.
إن المبادئ لا تؤخذ من اصحاب الكنبات… وإنما من الذين ثبتوا عليها في المصائب والملمات والفتن والابتلاءات. يسألني الكثير من الذين اصابتهم فتن زماننا هذا بالحيرة عمن يأخذوا دينهم، فجوابي يكون دائما عن الذين امتحنوا فثبتوا ولم يتذرعوا بالظروف والنوازل وقدموا حياتهم راحتهم اسرهم اموالهم… رخيصة مهرا للطريق، لسان حالهم سلعة الله غالية سلعة الله الجنة…، هؤلاء الذين يحكم عليهم بالإعدام وهم يهتفون الموت في سبيل الله اسمى امانينا، يسجنون ويعذبون وتنتهك حرماتهم واعراضهم، ومع ذلك لا تراهم إلا مبتسمين لا يبيعون دينهم اذا لمّح لهم ساقط بتهديد او وعيد… او من اجل عرض زائل او دنيا غيرهم. يحكم عليهم الاحتلال بعشرات المؤبدات فما وهنوا ولا استكانوا، وينصب لهم السيسي ومن على شاكلته اعواد المشانق فما بدلوا وما ساوموا، واذا دققت البحث والتأمل وجدتهم تخرجوا من مدرسة واحدة…. يمشون على الارض وقلوبهم وعقولهم في الفردوس الاعلى تحت سقف عرش الرحمن.

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".