أحوال تركية مايو – يونيو2021 :محور أوروبا

شكلت قمة قادة حلف شمال الأطلسي “الناتو” التي انعقدت الشهر الجاري، في العاصمة البلجيكية بروكسل، فرصة لدفع الأجندة الإيجابية بين تركيا والاتحاد الأوروبي قدمًا. حيث التقى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عددًا من قادة دول الاتحاد خلال القمة، منهم زعماء بريطانيا وفرنسا وألمانيا واليونان

لكن ربما يكون اللقاءان البارزان هما اللذين جمعا الرئيس أردوغان بكل من الرئيس الفرنسي الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس. حيث إن البلدين الأوروبيين يُعتبران في طليعة الدول الأوروبية التي لها علاقات متوترة مع تركيا في عدة ملفات جوهرية.

فرنسا

وبدءًا بفرنسا، فقد بدا الشهر الماضي أكثر هدوءًا في العلاقات بين الجانبين، حيث زار وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، العاصمة الفرنسية باريس، والتقى بنظيره، ان إيف لودريان، بعد أشهر من التوتر. ووفق البيان الصادر عن وزارة الخارجية الفرنسية بعد اللقاء، فإن الوزيرين ناقشا موضوعات عديدة، منها عملية السلام في ليبيا وسوريا والشرق الأوسط، وأكدا على ضمان الامتثال للجدول الزمني للانتقال السياسي والأمني والانتخابي في ليبيا، والعمل على تحقيق وقف إطلاق النار.

كما ناقشا أيضًا التعاون داخل حلف الناتو وبحثا القيم والمبادئ التي ستدعم التحالف والعلاقات بين الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. كذلك أكدا على أهمية العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، مشيرين إلى رغبتهم في عقد الاجتماع القادم للجنة الشراكة الاقتصادية والتجارية “جيتكو” (JETCO) في الخريف المقبل.

ومن الجانب الفرنسي، صرح ماكرون قبل اللقاء أنه من الضروري التحدث مع أردوغان رغم الخلافات، حول سوريا وليبيا وإقليم قره باغ ومكافحة التطرف. كما صرح ” لودريان” أن هناك ثمة هدنة في الهجمات الكلامية، قائلًا “إنه لأمر جيد لكنه غير كاف”، ومعتبرًا أن العلاقة الثنائية باتت “في مرحلة تعاف”.

لكن رغم هذه الإيجابية، فإن الملفات الخلافية ما زالت كما هي. يدلل على ذلك أن ” لودريان” أضاف أن “وقف الهجمات الكلامية لا يعني أفعالًا، وننتظر من تركيا أفعالًا حول ملفات حساسة خصوصًا في ليبيا وسوريا وأيضًا في شرق المتوسط وملف قبرص”. وقال: “سنرى ما إذا كان أردوغان غير في الأفعال أكثر من الأقوال”.

وبالطبع، فإن تركيا تفضل علاقات قوية مع فرنسا –الدولة الأقوى في الاتحاد الأوروبي بعد ألمانيا- لكن ربما تقنَع أنقرة بتحييد باريس عن التأثير سلبًا على الاتحاد الأوروبي، في وقت بدأ الاتحاد فيه يتبنى أجندة إيجابية تعاونية مع تركيا.

اليونان

في وضع مماثل، كانت هناك حالة إيجابية نسبيًا بين تركيا واليونان خلال الأسابيع الماضية، حيث زار تشاووش أوغلو أثينا أيضًا والتقى برئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس، وبنظيره اليوناني نيكوس ديندياس. وخلال الزيارة أبدى تشاووش أوغلو استعداد تركيا للتحاور مع اليونان دون شروط مسبقة لتعزيز العلاقات الثنائية في كافة المجالات، وأعلن توصل البلدين إلى توافق في الآراء حول العديد من القضايا، التي لم يفصلها تشاووش أوغلو.

إلا أنه يظهر أن هذه القضايا لا تشمل القضايا الكبرى التي تشكل معضلة في العلاقات، حيث صرح المسؤول التركي أن التوافق الذي تم التوصل إليه سيسهم بشكل إيجابي في القطاع السياحي للبلدين. ما يعني أن مشكلة البحر المتوسط ما زالت مستمرة، دون التوصل إلى اختراق ما فيها.

ولم يغير اللقاء الذي عُقد بين أردوغان و ميتسوتاكيس من الوضع كثيرًا أيضًا، حيث صرح مسؤول تركي لوكالة رويترز أن أجواء اللقاء كانت جيدة، مؤكدًا أنه “جرى التوصل إلى تفاهم متبادل على أن توترات عام 2020 يجب ألا تتكرر في 2021″، لكنه عاد وشدد أن الخلافات الرئيسية لا تزال قائمة بين الجانبين، ومنها ترسيم الحدود البحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط.

إذن، فإن الوضع بشكل عام تحرك قليلًا نحو الإيجابية، بمعنى أن الحديث عن صدام خشن في المتوسط قد اختفى تقريبًا، كما خفت الحديث عن عقوبات من الاتحاد الأوروبي على أنقرة بشكل كبير؛ إلا أنه في نهاية المطاف، ما زالت الملفات العالقة كما هي، ولم يُحرز الجانبان تقدمًا ملحوظًا فيها. ويؤكد ذلك، آخر تصريح من تركيا حول اليونان جاء على لسان “تشاووش أوغلو”، حيث قال إن “أثينا تنتهك التفاهم بين البلدين، وإن عليها التخلي عن استفزازاتها”.

“بيرقدار” في أجواء أوروبا

على صعيد آخر، وقعت بولندا رسميًا على عقد شراء 24 مسيرة تركية من طراز بيرقدار خلال زيارة رسمية قام بها الرئيس البولندي، أندريه دودا، للعاصمة التركية أنقرة التقى خلالها الرئيس أردوغان. لتكون بولندا بذلك هي أول دولة عضو في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي تشتري المسيرات التركية التي ذاع صيتها عالميًا بعد اشتراكها في معارك عنيفة في ليبيا وأذربيحان وسوريا والعراق، حيث قلبت الموازين وغيّرت المعادلات فور دخولها.

وبالطبع، فإن ذلك يُعد إنجازًا لتركيا، التي كانت حتى سنوات قريبة تعتمد على استيراد سلاحها بشكل كبير. ويبدو أن بولندا لن تكون الدولة الأخيرة أوروبيًا التي تقتني بيرقدار. حيث زار وزير دفاع لتوانيا، أرتيس بابريكس، أنقرة، وأجرى سلسلة من اللقاءات الرسمية مع كبار المسؤولين الأتراك، كما أجرى جولة واسعة على كبرى مصانع الشركات الدفاعية التركية وأبرزها شركتي “بايكار” المصنعة لطائرات بيرقدار المسيرة، و”أوتوكار” المصنعة للعديد من العربات العسكرية التركية.

وبعد اللقاء كشف الوزير الليتواني عن رغبة بلاده في اقتناء طائرات “بيرقدار”، كذلك أكد تشاووش أوغلو على ذلك في تغريدة منفصلة. وبالطبع، فإنه كلما زادت مثل هذه الصفقات، زاد معها النفوذ التركي في أوروبا وحلف الناتو، ما سيصعّب اتخاذ قرارات داخل أطر المنظمتين ترفضها تركيا.

شاهد أيضاً

تفتيش عارٍ وتهديد بالاغتصاب.. هكذا ينتقم الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات

"بعد اعتقالي من منزلي والتحقيق معي في مستوطنة كرمي تسور، نُقلت إلى سجن هشارون، وتعرضت للتفتيش العاري، ثم أدخلوني زنزانة رائحتها نتنة، أرضها ممتلئة بمياه عادمة والفراش مبتل بالمياه المتسخة".