أحوال تركية مايو – يونيو2021:المحور الليبي

لا يكاد الداخل الليبي يلتقط أنفاسه إلا ويتحرك الجنرال الانقلابي، خليفة حفتر، أو أحد داعميه لعرقلة عمل حكومة الوحدة الوطنية، أو لإفقادها مصادر قوتها. فخلال الأسابيع الماضية، برزت أكثر من إشارة سلبية من هذا الجانب، أوحت بعدم جديته في الالتزام بمخرجات العملية السياسية في ليبيا.

حيث أجرت قوات حفتر استعراضًا عسكريًا في مدينة بنغازي، اعترض عليه عبد الله اللافي، نائب رئيس المجلس الرئاسي، قائلًا “إن المجلس شدد مرارًا وتكرارًا على تجنب القيام بأي تصرفات أحادية ذات طابع عسكري من أي طرف، ومن بينها المناورات والتحركات الميدانية والتصريحات الصحفية من العسكريين، والاستعراضات العسكرية التي قد تؤدي إلى نشوب الحرب مجددًا”.

كذلك قام حفتر بخطوة أخرى اعتبرت تعديًا على الصلاحيات الدستورية للإدارة الليبية الجديدة، حيث قرر إغلاق الحدود مع الجزائر، واعتبرها “منطقة عسكرية”، تحت ادعاء شن عملية عسكرية لملاحقة من وصفهم بـ”الإرهابيين التكفيريين” وطرد عصابات المرتزقة الأفارقة.

وهناك إشارة أخرى سلبية نُقلت عن الجانب الفرنسي، الداعم لحفتر. حيث كشفت صحيفة “بوليتيكو” الأميركية أنها “اطلعت على خطة فرنسية ناقشها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مع الرئيسين الأميركي جو بايدن، والتركي رجب طيب أردوغان، لإخراج المقاتلين الأجانب من ليبيا”.

وتقترح الخطة -التي تتضمن جدولًا زمنيًا مدته 6 أشهر وتنفذ على 3 مراحل- أن تقوم تركيا في المرحلة الأولى بسحب ما ادعت أنهم مسلحين سوريين الذين أرسلوا إلى ليبيا في عام 2020. على أن تقوم روسيا في المرحلة الثانية بسحب مليشياتها من مجموعة فاغنر، بالتزامن مع سحب تركيا جنودها في شهر سبتمبر/ أيلول المقبل. ثم إعادة توحيد قوات الأمن الليبية كخطوة ثالثة

وبغض النظر عن أن فرنسا حليف تركيا في حلف الناتو –الذي يعتبر روسيا عدوًا استراتيجيًا- قد اعتبرت أن انسحاب تركيا من ليبيا مقدم على انسحاب روسيا منها، وبغض النظر عن أن باريس ساوت في خطتها المقترحة بين تركيا التي أتت إلى ليبيا كآخر المتدخلين وعبر اتفاق مع الحكومة الشرعية، ساوتها بالمرتزقة الروس الذين دخلوا ليبيا للقتال بجانب قوات انقلابية؛ بعيدًا عن هذه المفارقات، فإن الخطة الفرنسية بالإضافة إلى تحركات حفتر الأخيرة شكلتا سببًا كافيًا لأن تتحرك تركيا لضمان عدم الالتفاف حول دورها الداعم لحكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، لصالح حفتر وداعميه.

لذا، زار وفد موسع من الحكومة التركية العاصمة الليبية طرابلس، قبيل عقد قمة بروكسل التي التقى فيها أردوغان بالرئيس الأمريكي وكبار القادة الأوروبين، كما أن زيارة الوفد التركي جاءت أيضًا قبل أيام من انعقاد مؤتمر “برلين 2” الدولي حول ليبيا. وفي الواقع، فإن الوفد ضم كل أركان الدولة التركية تقريبًا باستثناء الرئيس أردوغان، ما يشير إلى أهمية الظرف الذي أرسل فيه الوفد، والمسؤولية المنوطة به.

حيث كان الوفد برئاسة وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو، وضم وزيري الدفاع خلوصي أكار والداخلية سليمان صويلو، إضافة إلى رئيس هيئة الأركان يشار غولر، ورئيس الاستخبارات هاكان فيدان، ورئيس دائرة الاتصال برئاسة الجمهورية فخر الدين ألطون، والمتحدث باسم الرئاسة إبراهيم قالن، الذي يعد كذلك أحد كبار المستشارين في مؤسسة الرئاسة التركية.

وتعددت اللقاءات التي أجراها الوفد، حيث التقى برئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، إضافة إلى لقاءات ثنائية جمعت الوزراء الأتراك مع نظرائهم الليبيين. كذلك زار “أكار” أفراد الفرقاطة التركية “TCG Gelibolu” العاملة قبال سواحل ليبيا، وأجرى زيارة أخرى لمقر قيادة القوات التركية العاملة في ليبيا.

وبعيدًا عن زيارة الوفد، فقد كانت هناك لقاءات أخرى بين مسؤولين أتراك وليبيين طيلة الأسابيع الماضية، منها زيارة عبد الله اللافي، نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي، إلى اسطنبول، ولقائه بفؤاد أوقطاي، نائب الرئيس التركي ولقاء آخر جمع تشاووش أوغلو بنظيريه الليبية نجلاء المنقوش، خلال أعمال “منتدى أنطاليا الدبلوماسي” الذي انعقد مؤخرًا، ولقاء جمع السفير التركي في طرابلس كنان يلماز بوزير الداخلية الليبي خالد مازن، وآخر برئيس المجلس الأعلى للدولة الليبية خالد المشري.

وكما أن كل هذا العدد من اللقاءات في هذه المدة القصيرة يدل على أهمية الملف الليبي بالنسبة لتركيا، في ظل تأزم الوصول لحل بين أنقرة وأثينا فيما يخص ترسيم الحدود البحرية بين الطرفين، فإن هذه الاجتماعات تدلل كذلك على تمسك الإدارة الليبية الحالية باستمرار التنسيق مع تركيا، الحليف الأقرب لها في الوقت الحالي.

حيث إن خروج تركيا من المعادلة الليبية حاليًا، سيقلب الوضع وميزان القوى بشكل كبير لصالح الجنرال الانقلابي حفتر وداعميه، وسيرجع الأمور لما قبل التدخل التركي، حين كانت العاصمة طرابلس تحت حصار ميليشيات حفتر. وبالتالي، فإن تمسك غالب المسؤولين في حكومة الوحدة الوطنية بتركيا له ما يبرره.

وللمفارقة كذلك، فإن الدول الأوروبية التي صمتت أثناء عدوان حفتر على طرابلس، تركز الآن على خروج القوات التركية من ليبيا، التي منعت سقوط العاصمة في يد انقلابيين عسكريين. ففي حين جاءت القيادة الليبية إلى مؤتمر “برلين 2” بمطلب مساعدتها في إجراء الانتخابات، وردع المعرقلين لها، جاء التركيز الأوروبي في البيان الختامي للمؤتمر على خروج القوات الأجنبية.

ففي خطابه، ردد الدبيبة أكثر من مرة أنه “رغم التقدم في توحيد المؤسسة الأمنية، فإن هناك مخاوف على العملية السياسية، بسبب وجود قوى عسكرية لها أبعاد سياسية”، في إشارة واضحة إلى قوات حفتر، وخطواتها الأخيرة. لكن لم يتضمن البيان الختامي لمؤتمر برلين الثاني أي عقوبات أو إدانات لعرقلة حفتر إجراء الانتخابات، باستثناء حديث عام عن “تطبيق واحترام عقوبات الأمم المتحدة، بواسطة إجراءات وطنية أيضا، ضد من ينتهك حظر الأسلحة أو وقف إطلاق النار”.

شاهد أيضاً

قتيل إسرائيلي في كريات شمونة بعد قصفها بعشرات الصواريخ من لبنان

قال حزب الله اللبناني إنه أطلق عشرات الصواريخ على مستوطنة كريات شمونة، ردا على غارات إسرائيلية على مركز إسعاف أدت إلى مقتل 7 متطوعين، بينما أعلنت الطوارئ الإسرائيلية مقتل شخص جراء القصف على كريات شمونة.