أبراج غزة المدمرة.. تحت كل حجر قصة ووراء كل جدار حكاية

“أبراج غزة ليست جمادا، إنها تشعر وتموت، وتأخذ معها ثرواتنا وكثيرا من الذكريات وبعض الأمل”، أحاديث ممزوجة بالألم والحسرة لقاطني أبراج ومنازل سويت بالأرض بفعل غارات جوية إسرائيلية ألقت بهم خارجها، لا يحملون سوى الملابس التي على أجسادهم.

3 أبراج متعددة الطبقات ومئات المنازل والشقق السكنية والتجارية تهاوت بعدما ألقت عليها طائرات الاحتلال حمم نيرانها، وأصبحت ركاما دفنت تحتها ممتلكات وذكريات عائلات أصبحت بلا مأوى، وشركات تحطمت وتكبدت خسائر فادحة.

الاحتلال لم يمنح السكان وقتا حتى للخروج من المنازل بما خف وغلا بل خرجوا فقط بملابسهم التي يرتدونها (رويترز)
المنزل حياة
لا يصدق أيمن دهمان حتى اللحظة أنه فقد شقته بكل ذكرياته وممتلكاته في “لحظة غاشمة”، تسابق وأسرته المكونة من 6 أفراد لمغادرتها للنجاة بأنفسهم قبل أن تنال صواريخ الاحتلال من البناية السكنية التي يقيم فيها شمال مدينة غزة.

يقول للجزيرة نت “غادرنا البناية نسابق الزمن، فقد منحتنا قوات الاحتلال 5 دقائق فقط للمغادرة قبل القصف”.

ويقيم دهمان في بناية سكنية من 5 طبقات تقطنها 10 عائلات، وقال “إنها ليست مجرد شقة سكنية، ففي كل ركن فيها لنا ذكرى وحكاية”.

صاحب أبراج الجوهرة في غزة أحمد الزعيم وعائلته يطلون على العالم بابتسامة من أمام برجهم المدمر (مواقع التواصل)
وصمت للحظات ثم أضاف “برمشة عين وجدنا أنفسنا في الشارع، لا نمتلك سوى ملابسنا التي نرتديها، وقد ابتلع الدمار كل ما نملك وما أمضينا سنوات عمرنا لبنائه، حتى أوراقنا الثبوتية وشهاداتنا المدرسية والجامعية وملابس أطفالنا للعيد، كل شيء أصبح من الماضي”.

لم يجد دهمان أمامه سوى اللجوء بأسرته إلى بيت نجله المقيم في شقة بالإيجار مكونة من غرفتين صغيرتين.

وبعد انقشاع غبار الدمار عاد دهمان في اليوم التالي لمعاينة المكان، ليصاب بالصدمة ويتملكه الحزن الشديد، وأخذ يطرح على نفسه السؤال ويكرره “هل كنت أسكن هنا؟”، وهو لا يكاد يصدق ما تراه عيناه.

قبل القصف بأيام قليلة أجرى دهمان تحديثات على شقته السكنية، واستبدل قطع الأثاث، واشترى لأبنائه ملابس العيد، وقال “المنزل ليس مجرد حجارة وجدران، إنه مملكة الإنسان، فلا شعور بالراحة والأمان إلا داخل منزلك، والخسارة المادية مؤلمة، ولكن الألم النفسي يبقى أشد وأكبر”.

سكان من غزة وشبابها فقدوا استثماراتهم وشركاتهم الناشئة التي أسسوها في هذه الأبراج (الأوروبية)
انهيار حلم
ومن بين عدد كبير من المنشآت التجارية في “برج هنادي”، فقد الشاب الثلاثيني محمد قدادة شركته الخاصة بالتسويق الإعلاني، التي تهاوت مع البرج المكون من 13 طابقا، وهو الأول الذي يتعرض لقصف جوي إسرائيلي خلال الحرب الحالية على غزة.

كان محمد و30 موظفا يباشرون أعمالهم في الشركة قبيل تلقي البرج إنذارا بالقصف، لكن الوقت الممنوح لهم لم يكن كافيا لإخلاء الأجهزة والمعدات فتركوها لتبتلعها النيران، ويقول للجزيرة نت “خسائرنا فادحة، ليست المباشرة فقط، وإنما غير المباشرة أيضا.. أرشيف العمل منذ تأسيس الشركة قبل 6 أعوام، وكثير من الذكريات”.

ويضيف أنه أسس الشركة جزءا جزءا، “كنت أرقبها تكبر يوما بعد يوم وكأنها طفلي الصغير، قضيت كثيرا من الوقت في العمل وكلي أمل في مستقبل أفضل وأجمل، لينهار كل شيء بكبسة زر من طيار معتد”.

على مدى يوم كامل بعد القصف، عاش محمد تحت تأثير الصدمة، وهو لا يريد تصديق ما حدث، شاهد مرات ومرات مقاطع مصورة للبرج وهو يرتطم بالأرض وتتصاعد منه أعمدة الدخان الأسود بفعل الغارات الجوية العنيفة التي استهدفته.

وبعدما أفاق محمد من الصدمة، تحوّل وباقي الموظفين للعمل من منازلهم عبر الإنترنت، ويقول “سنعيد البناء وسنتمسك بالأمل ما استطعنا إلى ذلك سبيلا”.

البنايات أصبحت أثرا بعد عين وكذلك كثير من أحلام الغزيين (الأناضول)
أبراج حيوية
وإضافة إلى برج هنادي، نال القصف من برجين آخرين هما “الشروق” و”الجوهرة”، وثلاثتها تمتاز بوقوعها في أماكن حيوية في مدينة غزة، كبرى مدن قطاع غزة، وتضم مع مبان أصغر حجما تعرضت للتدمير مئات مقار الشركات التجارية.

ويقدر المسؤول في الغرفة التجاربة بغزة الدكتور ماهر الطباع الخسائر المباشرة الناجمة عن استهداف الأبراج التجارية تحديدا بعشرات ملايين الدولارات، فضلا عن الخسائر التي لحقت بالبنية التحتية وبعشرات المحال التجارية الصغيرة والمتوسطة الموجودة في نطاق دائرة الاستهداف.

وقال الطباع للجزيرة نت إنه سيكون لقصف الأبراج انعكاسات سلبية خطيرة على اقتصاد غزة الهش، والأثر الأكبر لذلك سيظهر في ارتفاع معدلات البطالة والفقر بعد أن تضع الحرب أوزارها.

المصدر : الجزيرة

شاهد أيضاً

عبد المجيد الزنداني.. حياة حافلة بالعلم والعمل والجهاد

ودع اليمنيون والأمة العربية والإسلامية يوم الإثنين 13 من شوال 1445 للهجرة، الموافق 22 أبريل 2024م علما من أعلام هذه الأمة، وكوكبا من كواكبها، وهاديا من هداتها، ورائدا من روادها، هو الشيخ عبد المجيد بن عزيز الزنداني، العالم العامل، والمجاهد والمربي، والقدوة المعلم، القرآني المحمدي الرباني، صاحب العطاءات الدعوية، والإمدادات التربوية، والجهود التعليمية، والأطوار الجهادية،